السعادة في الوقت الضائع

السعادة في الوقت الضائع

يجب ان لا نعيش بحكم العادة وان لا تصبح افكارنا كالتنفس بلا تفكير وان لا تصبح عواطفنا كدقات القلب بلا تدبير - انيس منصور -

انا احمد الدافوري *
طبعا انت لاتتذكرني ولا تعرفني من الاصل
صحيح اننا كنا ندرس في نفس الفصل طوال حياتنا المدرسية
صحيح اني كنت اقطن بالقرب منك ولكنك لاتعرفني انا فقط الذي اعرفك
لقد كنت دوما مثار سخريتي انا واصدقائي الدافوريون كنا دائما نرميك بالفشل والاهمال وعدم المسؤلية
ولكني اليوم قررت ان ارسل لك خطابا اقدم فيه اعتذاري لك عفوا بل اعتذاري لنفسي
**
اولا اريد ان ابحث عن صورتي في ذاكرتك
انا احمد يا رجل الطالب الذي لطالما جلس في الصفوف الاولى والذي لم يغير تسريحة شعره
مذ دخل مدرسته في الصف الاول الابتدائي فكل التسريحات الاخرى تعبر عن تمرد ما او انحراف ما عن عادات اهلنا ولا يقبل بها والدي ابدا
احمد يا رجل الذي يحرص دوما على مظهره الكلاسيكي الثابت الذي لايرمي بالا لكل التعليقات التي تنهال عليه من اصداقائك يا زميلي
احمد الذي لم يجرب الجل يوما بل لم يتجرا حتى في التفكير في استخدامه
فهل استطعت الخروج من ذاكرتك
**
زميلي العزيز لقد تخرجت فعلا من كلية الاقتصاد صحيح ان هذه الكلية لم تحقق طموحي الذي لطالما عملت من اجله الا اني رضيت ورضخت لامر الله
في البداية ظننت اني ضحيت بكل اوقات الفراغ لكي ادرس وادرس وادرس فوالدي علمني ان الانسان لا يسوى سوى شهادته او ما معه من درجات علمية
وان المجتمع لا يتحرم شخص لم يتخرج من الجامعة وان المثقف هو الذي يزين جداره بشهادات اشترى بعضها واحصل على بعضها ولكني رضخت لاحقا
صحيح ان والدي كان مخطىء كثيرا لاني عندما خرجت الى الحياة رايت ان النجاح لا يتعلق بدرجتي العلمية بقدر ما يتعلق بمرونتي الفكرية وان
هنالك الالاف من المتعلمين وقليل منهم المثقفين واني لاعجب كيف يمكن ل سمير
حارس الامن في بنائي السكني من ان يحصل على سعادته الكبيرة ومدى ثقافته دون اي درجة علمية تذكر
فهذا الرجل يا زميل المبتسم المرتاح في عمله تجرات يوما وسئلته وانا عائد الى بيتي
وانا اظن ان هموم العالم كلها فوق كاهلي - سمير اني استغرب من ابتسامتك الدائمة يا رجل
دوما تحيني بها اانت حقا سعيد ام انك تتدعي ذلك - كان جوابه صفعة لي يا زميل
هذا الرجل الذي لم يحصل على اي ورقة كرتونية تعلن للمجتمع انه مثقف
لم يجبني مباشرة انما سئلني يا استاذ احمد هل وجدت انت البهجة في حياتك وهل ساهمت يوما في ادخال البهجة الى حياة الاخرين
هل كان لديك حلم هل تنازلت عنه هل دافعت عنه ام انك كباقي الناس رضخت لقول بعضهم انك لا تستطيع فعله
انت تعلم ان الناس الذين لايستطيعون فعل
شيء يريدون ان يقولو لك انك لاتستطيع فعل شيء ان الرجل اذا ارد شيئا ذهب وحصل عليه
هل هذا فعلا حارس الامن ام انه ملاك حارس
عجيب امره لقد رد علي بكل وعي وثقافة واستيعاب كامل لدرجة اني لبرهة اعتقد ان كلامه اصعب من ان افهمه
**
حمام دافىء وكلام الحارس في اذني
طعام لذيذ وكلام الحارس في اذني
وهكذا طوال اسبوع كامل وابتسامته مازلت موجودة كل يوم
عجيب امره
بدات ابحث في ذاكرتي عن احلامي واهدافي لعلي استطيع ان افهم كلام سمير
**
تذكرت يوما عندما كنت انت يا زميلي الذي احسدك وكنت احقد حينا عليك واشفق عليك حينا لانك كنت تتمتع بتلك الابتسامة التي لا تفارق وجهك
رغم علاماتك المتدنية حينا وكانك لا تعبىء لها ظننت انك مهمل ولايمكنك ان تتحمل اي مسؤلية تلقى عليك
اعذرني فلم اكن اعلم ان والدك قد توفي مذ كنت بالعاشرة
وانك بالرغم من دراستك المدرسية كنت تعمل لتساعد والدتك المدرسة وتعيل اخوتك الصغار لقد غرتني المظاهر يا رجل
فنحن هكذا نعشق تحليلاتنا التي نصل
اليها عن طريق ربط المظاهر والمضحك اكثر اننا نصدقها ونجبلها كواقع مفروغ منه
نعم يا زميلي لقد علمت هذا لاحقا لقد اخبرني به احد اصدقاءنا ( هل تذكر ذاك الفتى اليتيم الذي كنا دائما نسخر من اهماله ونظن ان الفشل من نصيبه
لقد فعلها ابن العاهرة لقد فعل ما كان يتشدق به في فسح الدوام لقد سافر الى كندا ودرس الهندسة لقد فعلها - يااخي الدنيا حظوظ - )
**
كلام سمير مرة اخرى يتردد في عقلي
حلمي هدفي حياتي إلهي مالذي فقدت
من هذه المستلقية بقربي
اين انا
**
يا زميلي العزيز لقد تزوجت ابنة عمي لان والدي رفض تزويجي راما الفتاة التي
عشقتها حتى الجنون انا وبنطالي القماش وتسريحة شعري الكلاسيكية بسبب انها كانت على قولته من دون مستوانا
وشهادتها ليس من مستوى شهادتك وليست جميلة كما اظن انا واتوهم وكانه هو الذي سيتزوجها
لم اقدر الا ان انصاع له لانني صدقت بكل بساطة ان الحب مجرد نزوة جنسية وستمر
ولكن راما لم تكن تعن لي نزوة جنسية والا لكنت نسيتها الان لا ادري لقد صدقت وانتهى الامر
رايت ابنة عمي لاباس بها كما قالت والدتي ان قوامها جميل ولها نفس على الطبخ فرضخت مقدم مؤخر حفلة عرس وزواج مضاجعة كل خميس و4 ابناء
وانا هنا مستلقي على السرير
وكلام سمير مازال يعبث في نومي
**
لقد شاهدني يوما اخي وانا اكتب لراما ما احب ان اسميه قصيدة غزل
بكل بساطة دوافعه الدافورية دفعته لاخبار والدي
صفعة وتمزيق ورق ولاتلهي نفسك عن الدراسة يا بني
ان الاغاني والاشعار للفارغين وانتهى المشوار
**
هكذا اذا
واحد راما
اثنان العودة الى الكتابة
ثلاثة طب الاسنان
**
اعود واسئل نفسي من هذه التي تستلقي بقربي
هل يترى مرت بما امر به
كانت لاتستطيع النوم العام الماضي مذ شاهدت احد اصدقائها على صفحة جريدة يومية تكرمه لانه مدرس ناجح
هل يا ترى كان لها مثل ما كانت راما لي
**
حسنا اذا انا لم امت بعد او انني كنت ميت وبعثت الان لاادري لم اعد احفل
يوم جديد مخطط جديد
سئلت زوجتي ماذا كنت تفكرين عندما كنتي شابة
تعالي نخلع قليلا من حياتنا ولنعد قليلا الى صبانا
انا اعلم انك لا تعشقيني وانا لا اعشقك ولكن ها هنا نحن اعلم انك لست راما وان لست المدرس التي تحلمين به
ولكننا الان في واقع فرض علينا اما ان نتقبله
او نرفضه ولكن رفضنا لن يغير من الصورة شيئا هي انهضي وانسي طبخ اليوم وهمومه فكفانا طعاما لانكهة به
نريد ان ناكل الحياة بكل مافي توابل الحب من نكهات
تعالي نغير حياتنا تعالي نصفع انفسنا قليلا لنعود اطفالا
هي انهضي اليوم جمعة تعالي نسير قليلا كالعشاق في شواطىء هذه الحياة المللة
اعلمي اني من اليوم لن اخط قواعد في هذا البيت ولن اجبرك وابنائي على الذهاب كل جمعة كبروتوكول الى بيت اهلي
واخطري ابنك اني سمحت له بان ياخذ دروس في عزف الكمان على ان يجيد تنسيق وقته بين هوايته وبين دروسه
ولن اعارض على دخول ابنتك كلية الاداب بدلا من الطب لانها تريد ذلك
ولن ولن ولن
لم تنظرين الي كانني جننت ما بك لقد قررت ان اعود للكتابة نعم نعم قررت
ابعثر شنطة عملي
فورقة بيضاء
وقلم ازرق واخط هذه الكلمات لك كاول رسالة اكتبها لك يا زميلي
واحسدك لانك تعلمت الدرس بسرعة
نعم كما قلتها يوما عندما سئلتك الا تشعر ان عليك ان تكون مثلنا
قلت ببساطة الحياة اقصر من ان نكون اشخاص غير انفسنا
لقد كنت الاذكى بيننا واعلمك اني غدا ساشكر سمير ايضا عفوا بل سامدحه لانه علمني ان الثقافة ليست بعدد كتبك التي قراتها
او التي تجمعها في مكتبتك بل الثقافة في ان تشعر بالسعادة في حياتك التي انت اخترتها لا التي صنعها لك شخص اخر
وان تنقل تلك السعادة الى الاخرين من حولك خير لك من ان تنفق الاف الدنانير
نعم حقا (فعلا وحتما واي كلمة تجد لها مكانا هنا) ليس من المفروض ان نعيش بحكم العادة وان تصبح افكارنا كالتنفس بلا تفكير وان تصبح عواطفنا كدقات القلب بلا تدبير
شكرا يا سمير فلقد حصلت على السعادة في الوقت الضائع
**
استاذ احمد ماذا تحب ان تقول في نهاية حفل توقيع نشر كتابك الاول
حسنا
لم يكن الوقت يوما متاخر للبدء في البحث عن سعادتك
وشكرا لاقتنائكم كتابي
**

*الدافوري : لقب يطلق في دول الخليح على الطالب الذي لايضيع اي دقيقة من اي محاضرة ويسير على الصراط الطلابي المستقيم
وهو يعمل عادة كجاسوس لمراقب الدوام ويعمل بدوام جزئي لدى الاساتذة فيكتب لهم العلامات ويبيض لهم دفاتر التحضير والتعريف يحمل الزيادة بحكم
درجة الدافورية في كل عصر !!!

بقلم محمود أغيورلي